ابن الهيثم عبقري البصريات الذي أضاء طريق التصوير الفوتوغرافي للعالم
أَبُو عَلِيٍّ اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْهَيْثَمِ اَلْبَصْرِيُّ
من إعداد المصور والمحكم الدولي رفيق كحالي
في عالم العلم والمعرفة، تبرز أسماء لامعة أسهمت في تشكيل ملامح الحضارة الإنسانية، ومن بين هذه الأسماء يطلّ علينا العالم المسلم **الحسن بن الهيثم**، الذي يُعتبر أحد أعظم العلماء في تاريخ العلوم الطبيعية، خاصة في مجال البصريات. تُعدّ إسهاماته في هذا المجال حجر الأساس لتطوير التصوير الفوتوغرافي، مما جعله يستحق لقب “أبو التصوير الفوتوغرافي” بجدارة.
وُلد ابن الهيثم في البصرة يوم 01 يوليو عام 965 ميلادي 354 هجري ، وتوفي في القاهرة يوم 06 ممارس عام 1040 ميلادي 430 هجري
وعاش في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية، حيث كانت العلوم تُدرّس وتُطور بوتيرة مذهلة. كان ابن الهيثم عالماً موسوعياً، إذ برع في الرياضيات، الفيزياء، الفلك، والهندسة، لكن إسهاماته في علم البصريات كانت الأكثر تأثيراً على مر العصور.
إسهامات ابن الهيثم في علم البصريات
في كتابه الشهير **”كتاب المناظر”**، قدّم ابن الهيثم نظريات ثورية غيّرت فهم البشرية لطبيعة الضوء والرؤية. فقد دحض النظريات السائدة التي كانت تعتقد أن العين تُصدر أشعةً لترى الأشياء، وبدلاً من ذلك، أثبت أن الضوء ينعكس من الأجسام إلى العين، مما يُحدث الإبصار. هذه النظرية كانت نقطة تحول كبرى في علم البصريات، وأصبحت الأساس الذي بُنيت عليه العديد من التطبيقات العملية لاحقاً.
كما درس ابن الهيثم انكسار الضوء وانعكاسه، ووضع قوانين دقيقة لوصف هذه الظواهر. وقد أجرى تجارب مبتكرة باستخدام الكاميرا المظلمة (Camera Obscura)، وهي أداة بسيطة تعتمد على مبدأ دخول الضوء من خلال فتحة صغيرة إلى غرفة مظلمة، مما يُنتج صورة مقلوبة على الجدار المقابل. هذه التجارب كانت الخطوة الأولى نحو اختراع الكاميرا الحديثة، ومن ثم التصوير الفوتوغرافي.
ابن الهيثم والتصوير الفوتوغرافي
على الرغم من أن التصوير الفوتوغرافي كما نعرفه اليوم لم يُخترع إلا في القرن التاسع عشر، إلا أن المبادئ العلمية التي وضعها ابن الهيثم كانت الأساس الذي مهد الطريق لهذا الاختراع. فالكاميرا المظلمة التي درسها واستخدمها في تجاربه هي النموذج الأولي للكاميرا الفوتوغرافية. لقد فهم ابن الهيثم كيفية انتقال الضوء عبر الفتحات وكيفية تشكيل الصور، وهي المفاهيم التي استند إليها العلماء اللاحقون مثل **يوهانس كيبلر** و**ليوناردو دافنشي** في تطوير أدوات التصوير.
بل إن بعض المؤرخين يعتبرون أن ابن الهيثم هو أول من وضع الأسس النظرية للتصوير الفوتوغرافي، حيث أن فهمه لطبيعة الضوء والصورة كان متقدماً بقرون على عصره. لقد كان عمله بمثابة جسر بين العصور الوسطى والعصر الحديث، حيث انتقلت معرفته إلى أوروبا عبر الترجمات اللاتينية لكتبه، وألهمت علماء النهضة الأوروبية.
إرث ابن الهيثم الخالد
لا يقتصر إرث ابن الهيثم على علم البصريات فحسب، بل يمتد إلى منهجيته العلمية التي اعتمدت على التجربة والملاحظة الدقيقة. لقد كان رائداً في تطبيق المنهج العلمي التجريبي، مما جعله نموذجاً يُحتذى به في البحث العلمي. لقد أثبت أن العلم هو لغة عالمية تتخطى الحدود الزمانية والمكانية، وأن الإسهامات العلمية الحقيقية تبقى خالدة عبر العصور.
اليوم، ونحن نلتقط الصور بكاميراتنا الحديثة أو نستخدم الهواتف الذكية لتصوير اللحظات الجميلة، علينا أن نتذكر أن الفضل يعود إلى ذلك العالم المسلم الذي وضع الأسس الأولى لهذا الفن. ابن الهيثم لم يكن مجرد عالم، بل كان مُلهماً للبشرية جمعاء، ومثالاً على كيف يمكن للعقل البشري أن يُحدث ثورة في فهمنا للعالم من حولنا.
في الختام، يُعتبر ابن الهيثم رمزاً للإبداع العلمي والتفكير النقدي، وإسهاماته في علم البصريات والتصوير الفوتوغرافي تظل شاهداً على عظمة الحضارة الإسلامية وإسهاماتها في رقي الإنسانية. لقد كان بحقّ عالماً سبق عصره، وأعماله تبقى مصدر إلهام للأجيال القادمة