لقاء مع الفنان: علي نفنوف
بقلم : فريد ظفور
* علي نفنوف..
ثلاثية الخيال:
من الضوء إلى الومضة ثم التجريد…
في عالم يتقاطع فيه التعبير التشكيلي مع الرؤية الفوتوغرافية يبرز الفنان السوري علي حسن نفنوف كأحد الأصوات البصرية الأكثر تفردا في المشهد الفني المعاصر ولد عام الف وتسعمئة وتسعة وستين في صافيتا وترعرع بين الطبيعة الساحلية والذاكرة الجمعية ليتحول لاحقا إلى فنان تشكيلي ومصور ضوئي يجيد إلتقاط نبض الحياة من الريشة إلى العدسة ومن التجريد إلى السرد اللوني.
ينتمي نفنوف إلى الجيل الذي يرى في الفن مسؤولية وجدانية لا زينة بصرية وهو عضو في اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين وكذلك في نادي فن التصوير الضوئي وقد شارك في أكثر من خمسين معرضا داخل سوريا وخارجها كان أبرزها معرض هتان في دمشق الذي ضم عشرات اللوحات التعبيرية المفعمة بالألم والجمال كما برز اسمه في معارض التصوير الفوتوغرافي التي تؤرخ لذاكرة المكان السوري مثل معرض سوريا رواية ضوء.
لا تنفصل عدسة نفنوف عن ريشته بل تتكامل معها فالتصوير الضوئي بالنسبة له ليس توثيقا فحسب بل بحث بصري عن المعنى تماما كما تفعل ضربات الفرشاة في اللوحة التعبيرية وأمام هذا الامتزاج تصبح أعماله مزيجا من الشعر البصري يتجاوز التصنيف التقني وينتمي إلى الإحساس أولا..
في هذا اللقاء نقترب من العالم الداخلي للفنان علي نفنوف ونتتبع ملامح رؤيته الفنية وتقاطعات الضوء واللون في تجربته الممتدة بين القماش والعدسة والقرطاس..
*أنت فنان تشكيلي وتجريدي ومصور ضوئي وشاعر تكتب بلغة رمزية وفلسفية أين تجد نفسك بين هذه العوالم المتعددة…
** لا أختار الوسيلة هي التي تختارني عندما تناديني الصورة أذهب إليها بلا قرار تصبح الكاميرا امتدادا لحدسي وحينها أكون مصورا ضوئيا أما الشعر فهو لا يكتب بل يكتبني تأتي الومضة فتأخذني إلى مفرداتها وتكبلني بملوحة اللغة وسكر عذوبتها.
أكتب الشعر حين يناديني وأذهب إلى اللقطة عندما تصرخ في وجهي أما الريشة فلا أمد يدي نحوها إلا عندما أشعر بالتعب بالحزن بالوجع ،عندها فقط أكون إنسانا عاديا، الإنسان العادي هو الذي يتوجع ويتألم ويصرخ لكني أذهب إلى اللوحة لتصرخ هي عني لتتألم تحت ضربات الفرشاة أكثر مني أريد لها أن تحكي أن تصرخ في وجه المارة أن تقول لهم قفوا هذا الأزرق يناديكم هذا الأخضر ليس غابة محبوسة بين إطارين إنها غابة تطارد النهر ليعرف طريقه إلى البحر
*نراك ترفض التصنيفات هل هو موقف فني أم انساني.
** أنا أكره التصنيفات لا أحب أن يقال الفنان التشكيلي علي نفنوف أو المصور الضوئي أو الشاعر أنا ببساطة علي نفنوف هذا الكيان المثقل بالإنسانية الباحث عن كيفية توظيف هذه الإنسانية في مجتمعه وفي البيئة التي يعيش فيها وفي زمنه،
أدرك تماما أن الفنان لا يعيش عمرا واحدا قد يرحل لكن أعماله تبقى تحكي حكايتها وتقص أثره، الصورة تقول ما لا يقال الشعر يدخل مفازات الروح واللوحة تطرق جدران الصمت لتفتح نافذة على الأفق البعيد.
* ما هي رؤيتك للتصوير الضوئي وما دوره برأيك.
** التصوير الضوئي ليس مهمته البحث عن الحقيقة.. الحقيقة موجودة لكن مهمته كيف نقدم هذه الحقيقة، ما هو الثوب الذي نلبسها إياه كيف نجعلها مشهدا يحرض العين، براعة الفنان تكمن في تحويل المشهد العادي إلى مشهد أكثر غرابة بحيث يكون مفزعا للعين هذا الاستفزاز هو مفتاح الإعجاب يمنح المتلقي أسئلة من نوع أين التقطت هذه الصورة كيف صورها ما العدسة ما الزاوية ماذا يقصد كل هذه الأسئلة هي سر من أسرار نجاح الصورة الفنية وهي ما يجعل الصورة لا تُنسى.
* قيل في التصوير أنه ضغطة زر أو العين الثالثة أو توقيف الزمن كيف ترى هذا التنوع في التعريفات.
** نعم يقال إن التصوير هو كبسة زر أو توقيف للزمن أو إصطياد للزهر الهارب أو إستعادة لزمن يمضي وكلها تعاريف صحيحة.
لكنني أراه قبل كل شيء رسالة شكر لله الذي خلق هذا الجمال وشكر للطبيعة التي هي اللوحة الأم.
خذ مدينة مثل صافيتا جبلها وقرميدها وبرجها كله لوحة وعندما تقترب تجد أن البرج نفسه لوحة ثم بوابته ثم مقبض بابه ثم مسامات الحجر ثم الأعشاب التي تتسلق الجدران كل جزء منها لوحة مستقلة.
فن التصوير الضوئي هو تشريح جمالي للوحة الأم إلى لوحات صغيرة ومتكاثفة وعلى المصور أن يفك الشفرة ويعيد تقديمها في صورة جديدة.
*هل تنتمي إلى مدرسة معينة في التصوير الضوئي
** أنا لا أنتمي إلى مذهب أو مدرسة أنتمي فقط إلى اللقطة تلك اللحظة العفوية التي تفرض نفسها مهما كان نوعها
لكنني أؤمن بالتخصص وأحترمه فهناك من يختار التصوير الرياضي أو الليلي أو المعماري أو المفاهيمي أو البورتريه وأنا أقدّر ذلك،
أما بالنسبة لي فأنا منحاز إلى ما يستفزني من مشهد أو فكرة أو صرخة بصرية لا يهم ما اسمه أو لونه.
*وماذا عن الأبيض والأسود والبورتريه.
** الأبيض والأسود هو حلمي في التصوير هو غاية لأنه يمنح مساحة للتأمل والتخيل أكثر من الصورة الملونة هو يكشف الروح ويُسكن الزمن
أنا لا أقدّم الصورة كوجبة دسمة تُستهلك مرة واحدة بل يجب أن تعاد قراءتها مرة ومرات الصورة العظيمة لا تنطفئ بعد أول نظرة.
* كيف تصف العلاقة بين التصوير الضوئي والرسم التشكيلي في تجربتك.
** هذا سؤال يُطاردني في كل لقاء رغم أنني لا أحب الإجابة عليه ،العلاقة بين التصوير والتشكيل هي علاقة إبداع هي كالعلاقة بين الرقص والموسيقى أو بين الشعر والإلقاء هي علاقة متداخلة تتقاطع في نقطة الإحساس.
ربما استفدت من التصوير في حساسية اللون وفي فهم الضوء وتوازن الظلال وربما العكس لكن ما أعرفه أنني أكثر حرية في التشكيل.
في التشكيل أنا أكتب نفسي كما أشاء أما في التصوير فالحقيقة هي من تفرض شروطها.
في التصوير يمكنني أن أصور امرأة كما هي قد تكون زنجية أو شقراء أو سمراء لكن في التشكيل أنا حر أرسمها زرقاء أو خضراء كما أشاء.
أنا في اللوحة إله صغير أوزع عناصرها وأنثرها ثم أجمعها على بيدر المحبة تماما كالفلاح حين يذر القمح.
أما في التصوير فالحقيقة لا تُلمس لا يجوز تعديلها لأن ذلك خيانة للصورة ،هي صوت الحقيقة المجردة ولا مجال لتزييفها.
*وماذا عن الشعر هل يشكّل عالمًا مستقلًا لديك..
** الشعر عندي لوحة تجريدية أيضا لا أكتبه كصياغة لغوية بل ككائن بصري وروحي معا.
القصيدة عندي لا تُقرأ مرة واحدة بل تُسأل وتُعاد قراءتها كلوحة تجريدية
أنا في التصوير والرسم والشعر كيان واحد لا يتجزأ أبحث عن كسر جدار المجهول لأفتح نافذة نحو أفق أوسع.
أنا أطرح الأسئلة وأترك للقارئ أن يبحث عن بعض الإجابات لأن السؤال حلال وبعض الأجوبة حرام.
*وفي الختام كيف تحب أن نعرّفك في هذا اللقاء هل نرحب بك كشاعر أم كفنان تشكيلي أم كمصور ضوئي.
** أهلا بكم جميعا ولكن الحقيقة أنني لا أسعى وراء الألقاب لا أحتاج أن يُقال الفنان الضوئي أو التشكيلي أو الشاعر
ما يهمني أن تُقال هذه اللوحة لعلي نفنوف وتلك الصورة لعلي نفنوف وهذه القصيدة أيضا لعلي نفنوف..
أنا إنسان أفتش عن إنسانيتي من خلال الفن وأفتش عن الفن من خلال الإنسان
أكتب تاريخا جديدا للجمال عنوانه البحث عن المزيد ثم المزيد ثم المزيد…
وختامها ..
كما ان لدى الفنان نفنوف فلسفة،بانه لا يوجد نهايات لاي شيء لأن أي نهاية عنده هي بداية لشيء آخر
وهنا ارى بان نهاية هذا الحوار هو بداية دعوة للدخول إلى عوالم علي نفنوف الخيالية المترامية ما بين رسائل الضوء ووميض القصيدة ورقصات ألوانه الحالمة على جسد القماش وكأنه يفتح نافذة المجهول نحو إحتمالات السؤال..
***
بقلم : فريد ظفور
الإمارات



















































